وأنا أهمُّ بوضع كتبي الجديدة في مكتبتي ، أفتّشُ لها عن مكانٍ مناسبٍ بين أخواتها ،أستأذنُ ( زاد المعاد ) .. كي يتنحى قليلاً إلا اليمين ، وأهمسُ ( لصيد الخاطر ) .. أن يفرغ للسّكان الجدد مكاناً خاصاً إلى جواره .و أودع ( روضة المحبين ) ، ( كيف تصبح عظيما ) .. تطلبكما بعض صديقاتي
وأرتّبُها ، و أصنّفها ، وأنا مسرورة كلّ السّرور بعملي ، ذاهلة عن دقائق تمرّ ، فكأنني في جنّة أو بستانٍ حفّته الزهور من كل جنسٍ ولون ، فلا أملكُ إلا أن أتابع التنسيقَ لحديقتي بهمة ونشاط
لهذه الحديقة جزيل فضلٍ عليّ ، وكلّ حرفٍ فيها قد اقتطع مساحة من قلبي ، فكانت القلب
كم أمدتني بعلمٍ وخبرات ، وكم نهلتُ من ثقافات العالم عبرها!ا
لقد زادتني فهماً بالحياة .هذه المكتبة الصغيرة ، أشبه بعالم ساحر كدنيا العجائب ، لا يبهر إلا من ضحّى بكل غالٍ لاكتشافه ، وامتلك العزيمة والهمّة والصّبر والإقدام لاستخراج كنوزه .ففيها من أخبار الأمم ، ومن عصارة فكر العلماء ، ومن محابر الأدباء ، وسير النابغين والحكماء ما يشعركَ بأنكَ قد عشتَ يوماً معهم ، وجلستَ متأدّباً في مجالسهم ، وارتشفت من رحيق فكرهم ، فأنت في ربحٍ دائم لا ينقطع ، مادمتَ معهم ، فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم
وأخذتني الذكرياتُ بعيداً ، وسافرت بي إلى يومٍ كدتُ أنساه ، يومٌ هو الحلم في حياة فتاة صغيرة ، لا تتمنّى أن تمتلكَ دمية جديدة ، ولا أن تزهو بثوبٍ جديدٍ ، لكنها تمنّتُ لو حصلت على مكتبة عامرة بكتب من كل جنس و لون
وغفا حلم الصغيرة أعواماً ليستيقظَ على وقعِ حنينٍ ،وكتابٌ عظيمٌ يهدى إليّ متوّجاً باسمي كان هدية أبي من بلاد الحرمين ،وكم فرحتُ بكتاب الله يهدى إليَّ فكأنّهُ كان يومُ عيد
لقد كان بداية النور الذي شعّ في مكتبة خاوية ، فأغنى عن كلّ كتاب ، وكان الزّاد والعُدّة
. فاعتنيتُ بوضعه على رفّ مكتبة خاوية ، واعتزمتُ أن أعمرها بقلبي وروحي خطوة خطوة
قادتني الأقدام إلى إحدى المكتبات ، فطرقتُ بابها أبحثُ عن روحٍ تركتها على أحد الرفوف ، و انتابتني نظرات حائرة : ترى إن سألني عن طلبي ماذا تراني قد أجيب ؟
أأخبرهُ بأني فقدتُ روحي وقد توزّعت في كلّ كتاب ! فمن أين يأتِ لي بها ؟
قد ينعتني بجنونٍ وما أنا إلا فتاةٌ ترسمُ حلمها بريشة حب ، فالقلب الذي تملكهُ لا يجيدُ إلا هذه اللغة ، وإن أتقن كلَّ اللغات
.اخترتُ ما أعان الله عليه من هناك ، ودفعتُ ثمنه مما ادخرته من مصروفي الخاص ، وعدتُ إلى مكتبتي الحبيبة ومعي طاقةَ فكر معطّرة بمسكٍ لا أنسى عبيره ما حييت
وسار المشروعُ الصّغيرُ على قدم وساق ، وتواردت الكتبُ تباعاً
أنظرُ إليها الآن ، بعد أعوامٍ من التطوير ، وكم آسفُ على ضآلة حجمها
أحلمُ بمكتبة واسعةٍ جدرانها كتبٌ ، وأسقفها صِحافٌ ، وأرضها من الورق الأملس ، أكتبُ عليهِ خطواتي ، وما تعلمتهُ من كلّ كتاب
أمة نورها القرآن ، ونبراسها السّنة ستبقى بها أجيالُ خير إلى يوم الدين ، ولن تعجز الأرحام أن تنجب رواداً في العلم والفكر يحملون أدوات النهضة ، ويرتقون سلم الحضارة .وعزمتُ أن أغرس في كلّ قلب حباً ضاع ، لحضارة منسيّة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق