نظر إلى الطريق أمامه .. فوجده وعراً مليئاً بالحجارة والصخور
ورأى الشمس تطلّ من خلف الغيوم ، تهب الأرض إشراقاً ونوراً
فبدأ على بركة الله مسيرته...سار إلى الطائف وأمل الدعوة يحدوه لتبلغ كلماته كلّ قلب
سار إلى الطائف ونور الإيمان يرافقه ، يمدّه بعزيمة قويّة كلما ثبطه الزمان
فقد خرج من مكة مطروداً حزيناً آسفـــــــــاً على قومه .. خرج ليبلغ الهدى إلى غير مكان ، فإن أخرجته بلاده الحبيبة ، فلعلّ بلاداً أخرى تفتح ذراعيها لتستقبله بحفاوة وتكريم
ولكنه الظلم ! !!ذاك الذي يقف دائماً حائلاً بين القلوب وملامسة النورظلم العبد لنفسه ، بحرمانها من أن تتشرب الهدى ، وحرمانها من العودة إلى دين الفطرة ، دين السلام
.وما أبشع الظلم حين يتخطى بجبروته حدود الإنسانية ، ويتحول إلى بركان ثائر ، يحرق كل شيء حوله ، قبل أن يحرق نفسه بنفسه !
وما أقساه .. شعور الحزن الذي ينتاب المرء ..حين يحمل قلباً مفعماً بالنقاء ..مليئاً بالحبّ والتضحية ..يحمله ليضيء كوناً برسالة خالدة لا تموت ..يهديه بخفقات إيمانية يسمعها كلّ مخلوق ..فيستجيب الحق ، ويصمّ آذانه الباطل
لكن صوت الحق يعلو ويعلو حتى ينتشر في كلّ مكان فلا ينحسر ، ولا يستطيع سدّ _ مهما عظم _ أن يوقفه
وخرج – صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف .. متحديا كل جبروت واستقبله زعماؤها بوجوه كئيبة عابسة ، واستمعوا له ولسان حالهم يقول له : توقف ! فصوتك لن يسمع في هذه الجبال العالية ، ودعوتك لن تجد لها مكاناً هاهنا .. ارحل .. فوميض الإيمان لم يسطع في القلب بعد !
وردّته الطائف بكبرياء زائف ، ونادت سفهاءها وعبيدها بتعجرف وأمرتهم أن يؤذوه .. لم ترع حق الضيافة ، ولا حق الرسالة ، ولم تع درس الدعوة بعد
كانت كأميرة مدللة متكبرة ، حصنت نفسها في برج عال ، وحبست عنها كلّ عين ، حتى شعاع الشمس لم تسمح له بأن يراها ، وظنّت بذلك أنها قد دافعت عن كبريائها الأجوف ، بينما هي قد أغرقت نفسها في مغاور مظلمة
ومشى محمد صلى الله عليه وسلم دامع القلب .. دامي الأقدام .. مثقلاً بجراح الأمة وهمومها ودخل بستانا وارفاً ليستريح ، ورفع يديه بدعاء أبكى الحجر ، دعاء بكت فيه الحروف إشفاقاً وحباً
فكان يقول : اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني ؟ أم إلى قريب ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع عندي ، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحلّ علي غضبك أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله
.وإذا بالنور يلوح له أقرب مما يتوقع ويأتيه ( عدّاس ) من بين كروم العنب مشفقاً يحادثه ، وينطق بشهادة الإسلام ، وكأني به يقول له ولكلّ مسلم قد أوذي أو طرد أو عذّب في سبيل الله : أنا رسالة النور التي اشتقت أن تبلّغها ، أنا رمز الأمل ! فلا تبتئس ، ولا توقف نداءات الخير مهما آذوك ، ومهما عذّبوك ، ومهما طردوك ..ففي الحياة ثمّة نور كامن في الأعماق ينتظرك .. كي توقظه للعالم أجمع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق