الأربعاء، 20 أغسطس 2008

وضحك الله لهما

تململ في فراشه ببطء وهو ينكمش تحت لحافه الوثير الذي يمنح أعضاءه الدفء في هذا البرد القارص
وما أن ألقى نظرة على عقارب ساعته المنبهة حتى أعلنت في رنينها أن أذان الفجر قد بقي عليه ساعة كاملة
تقلب مرة أخرى والنوم يغلب عينيه ثم تغلبه،
وذلك الصوت البغيض يهتف في أذنه: عليك ليلٌ طويـــــــــــلٌ .. فارقد ..كادت جفونه تستسلم لهذا الهتاف وتنقاد، وقد زاد البرد عليها فكأنه يريد أن يلاصقهما فلا تفتحهما إلا أشعة الشمس الدافئة إذا طلع الصباح
.لكن ذلك الحديث النبوي الذي طرق ذاكرة عقله أتاه، وصدحت الكلمات في رأسه .. إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة،
فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا! رجاء ما عندك، وشفقة مما عندك.
فيقول: فإني قد أعطيته ما رجا، وأمنته مما يخاف
إنها أجمل الكلمات التي سمعها طوال حياته .. تشعره بقربه من ربه وراحته كلما سمعها أو قرأها
وبعزم يلاقي الشوق إلى أن يضحك الله له؛ نفض دثاره عن جسده، ثم همس في أذن زوجته همساً أن هيا شاركيني الأجر ليضحك الله لك،
فأجابته راجية أن يدعها تحاور النوم ويحاورها،
ولو نطقت أعضاؤها لرجته ألا يخرجها من دفئها وسلامتها
فابتسم ثم قام إلى وضوئه
فنفض ذنوبه وخطاياه به،ثم عاد بقطرات الماء التي علقت بيده فنضحها برفق على وجه امرأته فكأنما مست عصفوراً صغيراً فارتعش
ثم رجاها ثانية أن تشاركه لحظاته النورانية الروحانية ..فأطاعت الزوجة زوجها ..وانتصب الجسدان بخشوعٍ في ظلام الليل الأخير
وشرع الزوج يرتل القرآن ترتيلاً ندياً خاشعاً ينجذب له الطير من السماء،
ويسكن له المتحرك من الأحياء
.فكأن هذا البيت المضيء في السماء من بين البيوت المظلمة قد قصدته ملائكة الرحمة والرحمن،
فطفقت تتنزل من السماء تحوم حوله تستغفر لصاحبيه وترجو الله أن يرضى عنهما
وانصاع الكون لهذا اللحن الإيماني
فهبت رياح خفيفة تحمل كل المعاني من الطهر والحسن والطيب،
وانتشر العطر الحسن متضوعاً في الهواء،وصدعت الديكة بصوتها مستبشرة بنزول الملائكة،
واصطفت على الشرفة بضعة طيور تستمع القرآن من تلك الشقة الطاهرة
وفرغ الزوجان من ركعتين هما أجمل من الدنيا وما فيها ..واستبشرا بضحك الله لهما
.ثم استشعرا نداءات الرحمن القدسية في ذلك السحر : هل من تائبٍ فأتوب عليه .. هل من مستغفرٍ فأغفر له .. هل من سائلٍ فأعطيه ..؟
وارتفعت الكفوف في آن واحد تردد كلمتين خفيفتين حملتا كل الشوق : نحن يا رب .. نحن يا رب
وعلَا صياح الديكة .. وازدادت رياح السماء .. وأذّن الفجر .. و .. وضحك الله لهما

ليست هناك تعليقات: