في هذه الآونة الأخيرة ، ازداد وعي كثير من الشباب بمفاهيم النهضة
و بدأ كل ٌ يعرض رؤيته الإصلاحية لتحرير الأرض من الفساد
ولكن .. سها الكثير منهم أن يسأل نفسه السؤال الأهم في تلك المنظومة :
هل أصلح أنا لأكون من المشاركين في القوافل النهضوية ؟
الإجابة على هذا السؤال لن تكون بحثا مطولا من نظريات بحتة ، بل سنجعل التاريخ يحكي لنا من روائعه وينظم لنا من درر روائع قصصه الإجابة الشافية ، وليس أي تاريخ .. ذلك الذي سنستعين به ، بل هو تاريخ أيده الله وكرمه بذكره في كتابه الحكيم
هل عرفتم ما هي قصتنا ؟
إنها قصة طالوت وجالوت
قبل الاستفاضة في الأحداث ، أفضل أن أذكر أولا تلك الصفات التي يشترط تواجدها في صانع النهضة
حتى نستخرجها سويا من الأحداث .
الصفات هي :
الإخلاص وعدم الأنانية / الشجاعة وترك الجبن / الانضباط / الإرادة القوية والهمة العالية
والآن سنري كيف انتقى الله ومحص هؤلاء الذين يمتلكون هذه الصفات دون غيرهم من القوم :
سأل بنو إسرائيل نبيهم يوما: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى
قالوا:إذن ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها
الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
أرأيتم يا إخواني .. إنه أول تمحيص من الله
بعث الله لهم ملكا ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك " أبناء يهوذا " فأخذهم الكبر والأناة
ولو كانوا مخلصين لله حق الإخلاص لما اعترضوا على اختيار الله
فهذه أول صفة يجب أن يتحلى بها صانع النهضة : الإخلاص
التمحيص الثاني : لا للجبناء
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
وهذا سيأخذنا إلى الصفة الثالثة : لا للتسيب .. نعم للانضباط
بعدما طالبوا نبيهم بأن يقاتلوا في سبيل الله من ظلمهم ،وأصروا على ما طلبوا
هاهم ينكثون عهدهم ويتراجعوا عن قرارهم
إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
ثم
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
التمحيص الثالث : اختبار قوة الإرادة
تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش
ولم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ
التمحيص الأخير:ثبات القوة المؤمنة
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو كبيرا وقويا.. فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟!
قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله.. {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ}.. فثبّتوهم.
فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249} وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
وبعد كل هذه التمحيصات والابتلاءات ، كان نصر الله للفئة القليلة المؤمنة التي حققت في نفسها الصفات الحقيقية لصناع النهضة
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
اللهم اجعلنا من صناع النهضة
اللهم هيئنا لها
اللهم آمين
من وحي : برنامج قصص القرآن