الأحد، 6 سبتمبر 2009

(4) أدوار غيرت مسار البشرية ..

حين يريدُ الله تعالى أن يقضي أمراً عظيماً، يقدّم له بمقدمة، تكون تمهيداً لحدوثه، وتوطئة لتحقيقه، ولكي يسهلَ وقعُ الحدثِ على القلوب، فتتقبله بثباتٍ أكبر، وتستعدّ لحدوثه وقد تسلحت باطنياً لذلك، وآمنت بأن بلوغ الهدف العظيم، يستدعي تحمّل أنواع المشاق، بثباتٍ أكبر، وذلك من لطف الله تعالى بعباده، وإحسانه إليهم.
ولما كانت أكبر مهمة ، وأعظم هدف .. هو رسالات الأنبياء
فلابد أن الله اختار لهم من يمهد لهم الأمر قلبا يفوق قلوب البشر ، لابد أنه قلب تملؤه الحكمة .. !!
رأينا ذلك في قصة سيدنا يوسف ، عندما اختار الله له أباه ليكون من يمهد له أمر رسالته ، وهو يفسر له رؤيته :
(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 6 يوسف
ورأينا ذلك في قصة سيدنا موسى ، عندما اختار الله له أمه لتكون من يمهد له ، وذلك عندما أوحى إليها الله :
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) 7 القصص
أما سيد ولد آدم ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فلقد اختار الله له " ورقة بن نوفل " ليكون من يمهد له الأمر :
فقالت له خديجة: أي عم! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رآه.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم. يا ليتني فيها جذعا. يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أَوَمُخْرِجِيَّ هم؟" قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُوْدِيَ. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
لم يبلغ "ورقة بن نوفل" هذه المنزلة الرفيعة من فراغ ،
فلقد كان رجلا تملأ الحكمة قلبه بحق ، وينور الرشد عقله
لم يجارِ قناعات قومه حين ذاك ويعبد الأصنام
بل جد واجتهد ودرس وتعلم
حتى أتاه اليقين عن اقتناع وأدرك أنه لا إله إلا الله
وكم يقدّر الله للمرء في حياته أن يتعلم أموراً قد لا يلقي لها بالاً، ولا يدركُ لمَ كتب عليه أن يتعلمها، ويكتشفُ مع مرور الأيام سرّ ما قدره الله تعالى له من خير، وهو الذي سلّم أمره له، واستسلم بإيمان لقضائه.
ويبدو لي أن صاحب الحكمة يكون هكذا دوما منفردا مستهجنا من قبل قومه ..!!
يعيش بين أناس لا يفهمون أناشيد فؤاده ، ولا معاني بؤسه
فى وجود مكبل بقيود تائه فى ظلام شك ونحس
كما قال الشاعر ،،،
فإن كنت توقن أنك على الحق ، فلا تهتز أبدا لندرة السالكين
ولا بد لمثل هؤلاء من ثواب عظيم يكافيء أدوارهم الثقيلة في تغيير مسار البشرية ..
عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال:
"يبعث يوم القيامة أمة وحده".
وهكذا لا ينبغي أن نخرج من هذه الحياة إلا وقد أدركنا غاية وجودنا ورسالتنا
لا ينبغي أن نغادر دون أن نؤثر في حركة ومسار هذه البشرية

هناك 3 تعليقات:

عاشق الجنة من الإخوان صلى على النبى يقول...

بصراحة مقال جميل ورائع ربنا يجري الحق والحكمة علي لسانك وقلبك
صلي علي النبي
صبراً علي المعتصم بالله

السيد جاد يقول...

صدقت ؛ فالدرس المستفاد كما تقولين : " لا ينبغي أن نخرج من هذه الحياة إلا وقد أدركنا غاية وجودنا ورسالتنا .. لا ينبغي أن نغادر دون أن نؤثر في حركة ومسار هذه البشرية " .. هكذا يكون المسلم المستنير ، وكل في مجاله الذي هيأه الله له . أختنا الكريمة د . مروة شكرا علي الإفادة .

مـــروة كمــال يقول...

عاشق الجنة

السيد جاد

بوركتما