مقدمة :
لم أكن يوما ما من محبي متابعة ذلك الجهاز الذي يدعى" تليفزيون"
بل كنت أُكن له في نفسي كراهة شديدة
لدرجة جعلتني أشترط على خطيبي ألا يدخل بيتنا " تلفزيونا " يوما ما
كان كرهي هذا لأسباب يعرفها الكثيرون تتعلق أغلبها بتلك التفاهة التي تعرض ليل نهار على فضائياته في شكل مسلسلات وأفلام هايفة وهابطة وهبلة وخالية من القيم " عذرا على الألفاظ " .
باستثناء بعض الفضائيات الغلبانة التي تعرض إعلاما موجها وهادفا وتحاول أن تتماشى مع الوضع السائد في آن واحد ، إلا أن هذه الأخيرة
لم تستحوذ أيضا على كثير مشاهداتي ؛ نظرا لأن النت يوفر لي ما أنشده من دروس ومحاضرات بل ويضيف على ذلك أني أحملها وأشاهدها وقتما أردت ..
ماذا حدث ؟
حدث أني تعرضت صدفة اليوم لمشاهدة حلقة من مسلسل " يوميات ونيس وأحفاده "
فكان أن دق قلبي ، وانتشت روحي ، وانبهر عقلي
وهتف لساني : معقول !!
مسلسل به قيم يعرض في التليفزيون ؟!
تابعته حتى انتهاء الحلقة بشغف ، وانا أنتقل من تجربة إلى أخرى في فن تربية الأبناء الذي لم أسمعه أو أقرؤه يوما ما في كتاب !
في تجربة مثيرة يُعلِّم ونيس أحفاده الأطفال الصغار _ الذين اندمجوا في مجتمع فقد روحه وانتماءه _ يعلمهم الاحتفاظ بهويتهم وبلغتهم ، فأحضر صندوقا ، واتفق معهم على أن من يخطيء ويقول لفظ خارج عن لغتنا العربية الجميلة ، سيضع في الصندوق جزءا من مصروفه
وهكذا ..
وسيكون هذا المبلغ في النهاية مكافأة لأقلهم أخطاءا ..
فكرة رائعة .. أليس كذلك ؟!
وفي لقطة أخرى ، جعلت الدمع يقفز من عيني ..
يزرع الجد في نفوس أحفاده الصغار معاني الرجولة المبكرة والشهامة ويعرفهم بعدوهم وبمعنى مقاومته ..
حيث يجلس ونيس وأحفاده حوله ، ليشاهدوا فيديو مسجل يعرض أحداث غزة الأخيرة
ويريهم كيف بأطفال في عمر الزهور مثلهم تماما ، يغوصون في دمائهم
ثم يعقب بكلمات ذهبية سائلا أحفاده :
ما موقفكم من عدوكم الأقوى منكم بكثير ، كيف يمكن أن تهزموه ؟
هل عدوك يتمنى أن يكون عندك تعليم متميز ؟
هل يتمنى أن تنعم بلادك بالحرية والديموقراطية ؟
هل يتمنى أن تملك بلادك فنا يحترم عقل المشاهد ؟
هل يتمنى أن يراكم متمسكين بالقيم والتراث ؟
هل يتمنى أن يرى الوطن متوحدا متماسكا ؟
بالطبع لا ..
وهذا ليس مشكلة لأن هذا هو معنى كلمة عدو ، الكارثة الحقيقة أننا نحن من نحقق له ما يتمنى ، بل نقدمه له على طبق من فضة ؛
فلا نحن نملك تعليما متميزا ، أو حرية أو فنا هادفا ، أو ..أو ..أو.. أو ..
ثم استطرد :
كل واحد منكم يستطيع أن يكون سلاحا يقهر العدو ..
إذا ما ..
فكر كيف يمكنه أن يصبح عظيما ؟
الطفل المعجزة
في الحقيقة لم أستطع أن انهي مقالي دون ذكر ذلك الطفل المسمى " أمان "
طفل يبدو في عمر التاسعة أو العاشرة
متحدث لبق
ذو وعي رهيب ، لدرجة أن جده يناديه : ياسيادة الريس !
قائد لتنظيم يدعى : تنظيم القادة قادمون
أرسل خطابا لرئيس الجامعة يطلب منه أن يلقي محاضرة لطلبة الجامعة ، وأجابه رئيس الجامعة بالموافقة " عدوها ده مسلسل "
وأثناء المحاضرة شرح فكرته في إنشاء هذا التنظيم
موضحا فكرته بأنه هو وزملاؤه سيكونون بعد عشرين عاما قادة المجتمع
ويوجه لطلبة الجامعة عدة طلبات تتوجه نحو إصلاح المجتمع من الآن
كي يمهدوا له الأمر عندما يصبح رئيسا للدولة !!
خاتمة
وبعد هذا كله
أدركت لماذا يكون للفن دور مؤثر بدرجة تفوق أي شيء آخر ..
وعرفت أيضا لماذا يضرب عدونا ضربته الأولى لنا الآن .. عن طريق الإعلام
حلم
أحلم أن يأتي ذلك اليوم الذي أرى فيه إعلاما موجها هادفا ، يخاطب القيم ، ويشحذ العزائم ، وينير الفكر ، ويعزز لدينا التراث ..
شكر واسفسار
أشكر الفنان محمد صبحي على هذا العمل ، وأسائله أين كانت هذه الروائع من زمان ؟!
همسة
لم يخلُ عمل من نقيصة
ففي المسلسل أيضا أحداث أظنها من باب ملأ الفراغ لإطالة الحلقات ، وشخصيات لا أجد لها دورا هادفا